روائع مختارة | قطوف إيمانية | التربية الإيمانية | من الشرك الخفي.....الرياء

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > التربية الإيمانية > من الشرك الخفي.....الرياء


  من الشرك الخفي.....الرياء
     عدد مرات المشاهدة: 3959        عدد مرات الإرسال: 0

جاءت آيات كثيرة وأحاديث تذم الرياء والمرائين، وتبين أنه من صفات المنافقين، بل عدُّه شركًا، وذلك لأن هذا المرائي لم يقصد الله وحده دون سواه بعمله، والإخلاص يقتضي أن يريد العابد الله لا شريك له، والمرائي جعل العبادات مطية لتحصيل أغراضه، فقد إستعمل العبادة فيما لم تشرع لأجله، وهذا تلاعب بالشريعة ووضع للأمور في غير مواضعها.

ومن النصوص القرآنية التي تتوعد المرائين:

1= قوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ*الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ*الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ*وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون:4-7]، فتوعد الله المرائين في هذه الآيات بالويل، وهم الذين يعملون الأعمال لأجل رئاء الناس.

2= وقال تعالى: {وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} [فاطر:10]. قال مجاهد بن جبر: هم أهل الرياء.

3= وقال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ} [هود:15]، قال مجاهد وغيره: نزلت في أهل الرياء، وقال قتادة: من كانت الدنيا همه ونيته وطلبته، جازاه الله بحسناته في الدنيا، ثم يفضي إلى الآخرة وليس له حسنة يُعطى بها جزاء.

4= وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ} [البقرة:264].

5= وقال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ} [النساء:142].

6= قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ} [النساء: 38]، وغيرها من الآيات.

وأما الأحاديث فهي كثيرة ومنها:

1= عن سليمان بن يسار قال: تفرق الناس عن أبي هريرة رضي الله عنه، فقال له: ناتل أهل الشام: أيها الشيخ، حدثنا حديثًا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: نعم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن أول الناس يقضي يوم القيامة عليه، رجل إستشهد، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى إستشهدت. قال: كذبت، ولكنك قاتلت حتى يقال إنك جريء فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن، فأتى به، فعرفه نعمه فعرفها. قال: فما عملت فيها، قال: تعلمت القرآن وعلمته وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت ولكن تعلمت العلم ليقال عالم، وقرأت القرآن ليقال هو قارئ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل وسَّع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله، فأتى به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبت. ولكنك فعلت ليقال: هو جواد، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقي في النار».

وفي رواية: أن شفيًّا الأشبحي حدث: «أنه في المدينة فإذا هو برجل قد اجتمع عليه الناس، فقال: من هذا؟ قالوا: أبو هريرة. قال: فدنوت منه. حتى قعدت بين يديه، وهو يحدث الناس، فلما سكت وخلا قلت له: أسألك بحقَّ وبحقَّ لما حدثتني حديثًا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم عقلته وعلمته. فقال أبو هريرة: أفعلُ، لأحدثنك حديثًا حدثنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عقلته وعلمته، ثم نَشَغ أبو هريرة نشغة، فمكثنا قليلاً، ثم أفاق فقال: لأحدثنك حديثًا حدثنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وهو في هذا البيت ما معنا أحد غيري وغيره، ثم نشغ أبو هريرة نشغة شديدة ثم مال خارًّا على وجهه، فأسندته طويلاً، ثم أفاق فقال: حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تبارك وتعالى إذا كان يوم القيامة ينزل إلى العباد، ليقضي بينهم وكل أمة جاثية، فأول من يُدعى به رجل جمع القرآن، ورجل قُتل في سبيل الله، ورجل كثير المال، فيقول الله عز وجل للقارئ: ألم أعُلَّمك ما أنزلت على رسولي؟ قال: بلى يارب، قال: فما عملت فيما علمت؟ قال: كنت أقوم به آناء الليل وآناء النهار، فيقول الله عز وجل له: كذبت وتقول له الملائكة: كذبت، ويقول الله تبارك وتعالى: بل أردت أن يقال: فلان قارئ وقد قيل ذلك، ويؤتي بصاحب المال، فيقول الله عز وجل: ألم أوسع عليك حتى لم أدعك تحتاج إلى أحد؟ قال: بلى يا رب، قال: فماذا عملت فيما آتيتيك؟ قال: كنت أصل الرحم، وأتصدق، فيقول الله له: كذبت، وتقول الملائكة: كذبت، ويقول الله تبارك وتعالى: بل أردت أن يقال فلان: جواد، وقد قيل ذلك، ويؤتي بالذي قُتل في سبيل الله، فيقول الله له: فبماذا قتلت؟ فيقول: أي رب، أمرتُ بالجهاد في سبيلك فقاتلت حتى قتلت، فيقول الله له: كذبت، وتقول الملائكة: كذبت ويقول الله: بل أردت أن يقال: فلان جريء فقد قيل ذلك» ثم ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ركبتي فقال: «يا أبا هريرة أولئك الثلاثة أول خلق الله تُسعر بهم النار يوم القيامة».

قال الوليد أبو عثمان المديني: وأخبرني عقبة أن شفيًّا هو الذي دخل على معاوية فأخبره بهذا. قال أبو عثمان: وحدثني العلاء بن أبي حكيم أنه كان سيافًا لمعاوية قال: فدخل عليه رجل فأخبره بهذا عن أبي هريرة. فقال معاوية: قد فعل هؤلاء هذا، فكيف بمن بقي من الناس؟ ثم بكى معاوية بكاءً شديدًا حتى ظننا أنه هالك، وقلنا: قد جاءنا هذا الرجل بشرًّ، ثم أفاق معاوية ومسح عن وجهه وقال: صدق الله ورسوله: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ*أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.

قال الإمام النووي رحمه الله: قوله صلى الله عليه وسلم في الغازي والعالم والجواد، وعقابهم على فعلهم ذلك لغير الله وإدخالهم النار دليل على تغليظ تحريم الرياء وشدة عقوبته، وعلى الحث على وجوب الإخلاص في الأعمال كما قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} أ.هـ.

2= وعن رُبَيْح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، عن أبيه، عن جده، قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نتذاكر المسيح الدجال فقال: «ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال؟» فقلنا: بلى يا رسول الله. فقال: «الشرك الخفي أن يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر رجل»، قال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب: «سمي الرياء شركًا خفيًّا، لأن صاحبه يظهر أن عمله لله، ويخفي في قلبه أنه لغيره، وإنما تزين بإظهاره أنه لله بخلاف الشرك الجلي».

3= وعن محمود بن لبيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يا أيها الناس إياكم وشرك السرائر» قالوا: يا رسول الله، وما شرك السرائر؟ قال: «يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته جاهدًا لما يرى من نظر الناس إليه، فذلك شرك السرائر».

4= وفي رواية قال صلى الله عليه وسلم: «إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر» قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: «الرياء، يقول الله عز وجل إذا جزى الناس بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاءً».

قال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب: ولما كانت النفوس مجبولة على محبة الرياسة والمنزلة في قلوب الخلق إلا من سلم الله، كان هذا -أي الشرك الأصغر- أخوف ما يخاف على الصالحين، لقوة الداعي إلى ذلك، والمعصوم من عصمه الله، وهذا بخلاف الداعي إلى الشرك الأكبر، فإنه إما معدوم في قلوب المؤمنين الكاملين، ولهذا يكون الإلقاء في النار أسهل عندهم من الكفر، وإما ضعيف. هذا مع العافية. وإما مع البلاء فـ {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ}. فلذلك صار خوفه صلى الله عليه وسلم على أصحابه من الرياء أشد لقوة الداعي وكثرته، دون الشرك الأكبر لما تقدم، مع أنه أخبر أنه لابد من وقوع عبادة الأوثان في أمته، فدل على أنه ينبغي للإنسان أن يخاف على نفسه الشرك الأكبر إذا كان الأصغر خوفًا على الصالحين من الصحابة مع كمال إيمانهم، فينبغي للإنسان أن يخاف الأكبر لنقصان إيمانه ومعرفته بالله... اهـ.

ودلنا هذا الحديث على أن الرياء من الشرك الأصغر، ولكن هل يمكن أن يصل إلى الشرك الأكبر؟ قال فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين: ظاهر الحديث لا يمكن، لأنه قال: الشرك الأصغر فسئل عنه فقال: الرياء، لكن في عبارات ابن القيم رحمه الله أنه إذا ذكر الشرك الأصغر قال: كيسير الرياء، فلهذا يدل على أن كثيرة ليس من الأصغر، لكن إن أراد بالكميَّة فنعم: لأنه لو كان يرائى في كل عمل فكان مشركًا شركًا أكبر لعدم وجود الإخلاص في عمل يعمله، أما إذا أراد الكيفية، فظاهر الحديث أنه أصغر مطلقًا...». اهـ.

وقال ابن القيم الجوزية رحمه الله مبينًا أن الشرك في العبادة بالرياء أسهل من الشرك في الربوبية: وأما الشرك في العبادة: فهو أسهل من هذا الشرك، وأخف أمرًا، فإنه يصدر ممن يعتقد أنه لا إله إلا الله وأنه لا يضر ولا ينفع ولا يعطي ولا يمنع إلا الله، وأنه لا إله غيره ولا رب سواه، ولكن لا يخلص لله في معاملته وعبوديته، بل يعمل لحظ نفسه تارة، ولطلب الدنيا تارة، ولطلب الرفعة والمنزلة والجاه عند الخلق تارة، فلله من عمله وسعيه نصيب، ولنفسه وحظه وهواه نصيب، وللشيطان نصيب، وللخلق نصيب، وهذا حال أكثر الناس وهذا هو الشرك الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم فيمار رواه ابن حبان في صحيحه: «الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النملة»، قالوا: كيف ننجو منه يا رسول الله؟ قال: «قل اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم».

فالرياء كله شرك، قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف:110]. أي كما أنه إله واحد، ولا إله سواه، فكذلك ينبغي أن تكون العبادة له وحده، فكما تفرد بالإلهية يجب أن يفرد بالعبودية، فالعمل الصالح هو الخالي من الرياء المقيد بالسنّة، وكان من دعاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه: اللهم اجعل عملي كله صالحًا، واجعله لوجهك خالصًا، ولا تجعل لأحد فيه شيئًا .أ.هـ

5= وعن يعلى بن شداد عن أبيه قال: كنا نعد الرياء في زمن النبي صلى الله عليه وسلم الشرك الأصغر.

ولهذا كان الرياء محرمًا لإشتماله على عدة محاذير، مع ما سبق من الأدلة نجملها في النقاط التالية:

1) أن في الرياء إستهزاء بالله تعالى: قال قتادة: إذا راءى العبد، قال تعالى: انظروا إليه كيف يستهزئ بي، لأن المرائي يظهر غير ما يبطن، أرأيت لو أن أحد خدام الملك القائمين في خدمته لو كان قاصدًا بوقوفه فيها -أي الخدمة- ملاحظة أمة أو أمرد للملك، كان ذلك عند كل من له أدنى مسكة من عقل إستهزاء بذلك الملك، لأنه لم يقصد تقربًا إليه بوجه مع إيهامه أنه على غاية من التقرب، ولله المثل الأعلى.

2) أن في الرياء تلبيس على الخلق لإيهامه لهم أنه مخلص مطيع لله تعالى وليس هو كذلك.

المصدر: موقع دعوة الأنبياء.